الطهطاوي في مكتبة الكونجرس!

الطهطاوي في مكتبة الكونجرس!

منى النمورى

منى النمورى

31 ديسمبر 2016

 

فى يوم المترجم المصرى 27 ديسمبر حضرت جزءًا من احتفالية المركز القومى للترجمة الذى احتفل بمرور عشرة سنوات على إنشائه و الذى أشرف بالعمل معه، وجلست فى جلسة المائدة المستديرة أستمع لاقتراحات المترجمين المخضرمين والفائزين بالجوائز للنهوض بالترجمة فى الوطن العربى من كل لغات العالم للعربية.

 

تناثرت الأفكار بأصوات مختلفة عبر قاعة طه حسين: "ضرورة مواكبة الجديد فى العلوم والتكنولوجيا باللغات الجنبية".."الرواية هى عالم كامل وقد تكون أهم من كتاب فى العلوم الانسانية".."ضرورة توحيد ترجمة المصطلحات".."ضرورة إنشاء مجلة علمية تواكب كل ماهو جديد فى العالم كله وليس فقط حركة الترجمة".." روتين العمل فى المركز يجعل المترجمين محجمين عن الترجمة".." فى ظل الظروف الاقتصادية الراهنة قد تكون الفرصة سانحة لإغراء المترجمين الجادين بالعمل والانتاج".." لابد من انشاء دورية علمية أسوةً بدول عربية مثل الكويت".." المركز لايزال المؤسسة رقم واحد للترجمة فى العالم العربى كله حتى مع ضآلة الميزانية"..أفكار كثيرة عظيمة وجدتنى أفكر فيها بعمق فى طريق عودتى للمنزل.

 

ثم أخذنى التفكير فى تمثال رفاعة الطهطاوى الذى يزين مدخل المركز، كثيراً ما أفكر به وبرحلته لبلاد الفرنساويين فى القرن التاسع عشر. تٌرى ما نوع الدهشة التى أصابته وهو ينتقل من مصر التى كانت ترزح تحت  بقايا آثار العصور المظلمة الى أوروبا التى كانت تتسابق للمدنية والمعاصرة؟ كيف استطاع أن ينتقى ماينقله عن طريق الترجمه لبلاده ؟ أتخيله واقفاً فى مكتبة الكونجرس وأمامه ساعة واحدة ليقرأ فيها! هذا تشبيه لقياس حياته أمام ما كان أمامه من كتب وعلوم لينقلها.

 

ما حدث هو أن الطهطاوى نقل الأهم فى مجالات كانت من وجهة نظره هامة لاحداث التغيير المطلوب، فعكف على الترجمة فى مدرسة الطب ونقل فى علوم أساسية مثل الرياضيات والطبيعيات والانسانيات والمحاسبة والقانون المدنى وإهتم إهتماماً خاصاً بالعلوم التربوية ومايصلح من أدب الأطفال ليكون جزءً من المناهج التعليمية وبالطبع أسس مدرسة الألسن وأنشأ مجلة روضة المدارس وترجم مايزيد عن خمس وعشرون كتاباً وأشرف على ترجمة عشرات غيرهم والأهم أنه أخرج تلاميذاً من بعده أستطاعوا تقديم حوالى ألفى كتاب للأمة ما بين مٌترجم ومؤلف. كل هذا ولم يفته أن يعمل فى جمع الآثار المصرية واستصدار القوانين التى تحميها من السرقة وكذلك سعى إلى إنجاز أول مشروع لإحياء التراث العربي الإسلامي أى أنه سلك طريق الأصالة  كطريق موازِ لطريق الترجمة والتى تعنى نقل المعاصرة. كل هذا والحكام يتغيرون عليه ومنهم من يحتفى به ومنهم من ينفيه وهو يخضع لمن يدفن علمه والشعلة فى قلبه ويزدهر لمن يحيى عبقريته ويغذى جذوته حتى يومه الأخير.

 

أى رجل هذا؟ واعظ أزهرى ومترجم وصحفى ومؤلف وأديب وتربوى!

 

يعود عقلى الى استرجاع الزخم الكبير من الأفكار التى طرحتها عقول واعية بمشاكل مصر فى يوم المترجم. ربما كلها  كانت تحاول أن تجد خطوة ما للبداية فى الطريق الصحيح وسط ميدان واسع مزدحم باللافتات. وتعود نفسى للطهطاوى المحتار فى مكتبة الكونجرس. ما الذى كان يحرك اختياراتك يا شيخنا؟ ربما كان يسيطر على عقلك ويتحكم فى اختياراتك سؤال واحد كبير : " كيف ينقل ما ينهض بالأمة من عثرتها فى ظل نظام عالمى كبيروتنافسى واستعمارى ومتطورساد اعالم فى القرن التاسع عشر ؟  سؤال يشبه كثيراً سؤال تواجهه بلدنا الآن، فبماذا نحن، المترجمون، مجيبون؟